القبائل الإدارية ومفهوم السلطة التقديرية في الفعل الإداري

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 الدكتور عبد الله شنفار

المفكر والكاتب المغربي.

 

 

قد يبدو العنوان مثيرًا للجدل؛ ومربكًا للعقل؛ ومزعجًا للفكر. فمن لا يفقه في اللعبة الإدارية وقواعدها، وسياقاتها السياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية… ودسائسها، وصور مكرها، وخبثها، ومكائدها، ومؤامراتها؛ قد يتصور ذلك؛ بحيث لا يستطيع إدراك ما وراء ذلك من صراع سياسي وثقافي، وريع اقتصادي، واجتماعي، وبنيوي مركب.

لعل الموضوع في مضمونه يحيل إلى احتكاك العقل بالواقع؛ فهو موضوع مركب ويتجاوز بكثير المعاني القدحية المحيطة به؛ وفي بعض جوانبه قد يبدو مألوفًا؛ لكن عند التأمل فيه بعمق قد يوجد فيه ما يتجاوز المفاهيم البسيطة المتداولة، وأكثر ممَّا يظهر من المصطلحات والمعاني المتداولة.
اهتم الباحثون ولوقت طويل بمجال تبرير الإدارة للقرار المتخذ من طرفها؛ ومحاولة إعطاء مفهوم للسلطة التقديرية للإدارة والإصلاح الاداري إلى غير ذلك؛ في حين أن الفعل الإداري الذي هو محور نشاط الإدارة، والذي هو في نفس الوقت ذو طبيعة قانونية وسياسية واجتماعية ونفسية وإدارية؛ لم يحض وما كان ليعرف تطورًا؛ لولا مساهمة حقول معرفية أخرى ساهمت في بلورة نظريات علمية في هذا المجال؛ كعلم الاقتصاد والمحاسبة وعلم الإدارة وعلم الاجتماع وعلم النفس الإداري والاجتماعي والقيادة… إلى غيرها من العلوم.

في دراسة وتحليل هذا الموضوع الهام؛ ننطلق من أسئلة منهجية؛ تعتبر مفتاحا للفهم. فهل هناك هامش ليس فيه ازدحامًا يتيح مجالًا للبحث وحيزًا للتحليل والدراسة في موضوع؟ ما المقصود بالقبائل الإدارية؟ ما المقصود بالإدارة في اقترانها بالقبلي؟ هل الإدارة محايدة؟ ما المقصود بالسلطة التقديرية للإدارة في الفعل الإداري المغربي؟

معروف أن القوانين والأنظمة هي خشنة بحكم طبيعتها؛ وقد تكون تعسفية في الكثير من الأحيان، وقاصرة ومحدودة في الإجابة عن العديد من القضايا المطروحة التي تهم حقوق وحريات الأفراد والجماعات ومشاكل وحاجات المجتمع. وهي ليست منزهة أو تتميز بالكمالية. فالوثيقة الوحيدة التي لها هذه الصفة؛ هي القرآن الكريم؛ ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ•﴾ [سورة فصلت].
لذلك هي تخضع للمراجعات والتعديلات والتحيينات والتغييرات والتتميمات والتنقيحات والإلغاءات والتصحيحات؛ من طرف المشرع أو الجهات التي خول لها الاختصاص في سن قوانين وأنظمة وقرارات.

لكن ما العمل عندما لا نجد نصًا قانونيًا قابلًا للتطبيق في نازلة ما؟ أو في غياب نص تنظيمي لاتخاذ إجراءات معينة من خلال المنع والإدن والأمر؛ من أجل ضمان الأمن وتحقيق حفظ النظام العام وحفظ الصحة العامة؛ والطمأنينة والسكينة وحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات؟ هل نرجح كفة القوانين والأنظمة القاصرة؛ والتي لا تسعف ولا تستجيب ولا تتيح لنا حل القضايا والمشاكل المطروحة؛ على حساب حماية أرواح الناس؛ بحجة احترام هذه القوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛ لكن ماذا بعد فوات الأوان!؟

ومن هذه القوانين والأنظمة؛ نجد الوثيقة الدستورية التي تعتبر أسمى تعبير عن إرادة شعب ما. ففي تعريف فقهاء القانون الدستوري؛ الدستور كضابط للنسق السياسي والاجتماعي ونظام الحكم وعلاقة الحكام بالمحكومين؛ هو فكرة وفلسفة مجموعة من الأشخاص؛ أقلية كانت أو أغلبية؛ استطاعوا فرض وإقناع الناس بهذه الفكرة. والوثيقة الدستورية لا تتضمن كل شيء؛ بل تتضمن أيضًا مجموعة من الإحالات؛ ونحن نقرأ إلى جانب تلك الإحالات الدستورية. والتي يتم توضيحها من خلال آلية الدوريات والمناشير والمذكرات المصلحية والقرارات الإدارية؛ التي تهدف إلى تصريف عمل الحكومة؛ خاصة في زمن انتشار الجوائح ومختلف الأزمات والكوارث الطبيعية.

وهنا يطرح السؤال حول السلطة التقديرية للإدارة ومتطلبات حالات الاستعجال. فأحيانًا نختبر بعض النصوص القانونية والتنظيمية المعتمدة في تدبير شؤون الإدارة وعلاقة المواطن بها؛ غير أننا نجدها خاوية وفارغة صفراً؛ حيث تتضمن العديد من المواد والفصول المشحونة بالكثير من الحشو والإطناب والتكرار، والأسلوب المبتذل والأمور الثانوية والهامشية؛ ولا تسعفنا ولا تتيح لنا الإمكانية والإجابة عن الأسئلة المطروحة والشائكة. ونضرب مثلًا لذلك الوضع أثناء انتشار جائحة فيروس كورونا، حيث نكتشف بعد مدة أننا شرعنا وخططنا وصممنا لنوع من الغباء الجماعي في العديد من النصوص والقوانين التنظيمية؛ التي هي فقط وليدة اكتناف ضغوط واستجابة لظرفية معينة فقط؛ ولا تتجاوز الدائرة الضيقة لتلك الأزمة تمامًا كالنعامة التي لا تفتح أية آفاق للتطور ولا تعانق المستقبل ولا تخلق أي فضاء مفتوح قابل للانفتاح.

نطرح دائمًا بعض الأسئلة المنهجية الجوهرية الابستمولوجية لتحديد السياق العام للموضوع؛ ويمكن استحضار بعضها في التالي:

كيف يتم تصريف العمل الحكومي في غياب أو غموض نص قانوني؟ ما هي الآليات التي تتبعها الإدارة في تعميم الفائدة على مصالحها تجنبًا (لمشكل كل مرفق يلغي بلغاه)؟ كيف نقرأ إلى جانب الإحالات الفلسفية والروحية في الوثيقة الدستورية؟ ماذا نقصد بالدورية؟ وماذا نقصد بالمنشور؟ وماذا نقصد بالمذكرة المصلحية؟
من خلال استئثار الجهاز الإداري بوظائف تكنوقراطية، يستطيع التحكم في جميع السياسات والبرامج وخطط العمل داخل البلاد. وبحكم هذه الوظائف الروتينية؛ فإن أفراد القبائل الإدارية) من خلال العقليات المكونة لها؛ تستطيع الإفلات من الرقابة، مما يؤدي إلى تقليص سلطة المساءلة الديمقراطية، بحيث حتى حرية وقدرة البرلمان تختفي تجاه رجل الإدارة في الكثير من الأحيان؛ حيث السلطة التقديرية تنصب على مجال لا يغطيه القانون.

لنرى أولًا طبيعة هذه الوظائف التقنية المخولة للإدارة ومختلف المؤسسات العمومية، لنعرف كيف يمكن تصور مخالفة القوانين والأنظمة، وكيف يضغط التجاوز وشطط التأويل للمتاح من النصوص القانونية؛ على بعض العقليات الإدارية.
تستأثر الإدارة في جميع الأنظمة السياسية بعدة وظائف، كالتحضير، والإعداد، والتنفيذ، والإعلام، والتقييم والرقابة. فهي جهاز تحضير حيث تستحوذ على مختلف المعلومات لمظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على مستوى الفرد والجماعة. وبالتالي فإنها تشكل المصدر الرئيسي في تحضير جميع القرارات التي تنوي السلطات السياسية اتخاذها.
وهنا يكمن العيب في عقليات القبائل الإدارية، حيث لا تقدم في الغالب إلا حلًا أو خيارًا مرتجلاً واحدًا، مما يقلص سلطة اتخاذ القرار في عملية المفاضلة بين عدة خيارات وبدائل ممكنة. وهذا الوضع ناتج عن الاكتفاء بتتبع تطور الأحداث وإدارة اليومي، بما في ذلك إدارة الأزمات، دون التطلع إلى وضع استراتيجية مستقبلية.

وحتى إذا سلمنا بوجود وتحديد إطار عام للتحديث وللتغيير والإصلاح الإداري؛ إلا أن المشكل ليس هو شح الموارد المادية أو قلة العنصر البشري؛ ولكنه مشكل عقليات بالأساس وسوء التوزيع وعدم القدرة على الإبقاء، أو على اختيار الكفاءات الإدارية المناسبة والمختصة لتشغل المناصب المناسبة.
فحَرَسُ القديم من عناصر القبائل الإدارية والمؤسسات؛ ومختلف المرافق العامة والعمومية؛ يزعمون أنهم وحدهم من يمتلك الطبعة الأصلية للحقيقة! والآخرون تتوفر لديهم نسخ رديئة فقط من الحقائق وشؤون الدولة؛ وحتى إذا ما حصل وتولوا الآخرين من حَرَسِ الجديد والحديث المسؤولية؛ فسوف يقودون البلاد والعِباد إلى الهاوية والكارثة؛ على حد زعمهم واعتقادهم!!

صحيح أن هناك وجودًا فعليًا للتخطيط والبرامج، والنماذج التنموية؛ لكن في الوقت نفسه منعدمة الفعالية والانسجام؛ جراء غياب استراتيجية واضحة الأهداف والمعالم تستقطب كل التخصصات التقنية والفنية وتنير الطريق للتوجهات السياسية، والتي غالبًا ما تتم تحت تأثير وغضب الشارع أو ضغط المطالب الاجتماعية الشعبية؛ أو ضغوط ظرفية، انتخابية أو ضغوط خارجية أو مصالح شخصية ضيقة أو إرضاءً للزملاء من نفس الحزب السياسي والنقابة والهيئة… إلى غير ذلك.

وهكذا فالإدارة بحكم قربها من التحكم في تدبير شؤون البلاد والعباد؛ يمكنها أن تتوقع أحداث المستقبل، مما يجعل منها ضابطًا وحكمًا؛ لسان حالها يقول: «اتخذ القرار الذي ترغب فيه أنت؛ لكن ليس على حساب خلق أزمة مالية أو زيادة تحملات وأعباء غير مضمونة مستقبلا.»
وفي نفس الوقت تعود إليها سلطة تنفيذ هذا القرار المتخذ مرة ثانية. فالعقليات الإدارية بحكم هذه الوظائف تستطيع تقييم الوسائل ومراقبتها والتحكم فيها، وبالتالي ترى ما هو ملائم فتلجأ تارة إلى التنفيذ أو التعطيل أو التماطل، أو حتى التعديل والتغيير تارة أخرى، فيفتح المجال للتطاول على إرادة الجميع وعلى الشرعية والمشروعية.

فنظريًا، إذا قمنا بمقاربة هذا الوضع من خلال السلطة التقديرية للإدارة، نجد أن العمل الإداري منطقيًا يجب ألا يتم في إطار العشوائية والارتجالية أو “حب الأشخاص فيه”؛ بل يجب أن يخضع لقواعد قانونية وتنظيمية، أي سلطة الشرعية والمشروعية، ولكن في إطار خلط المفاهيم تعتبر العقليات الإدارية نفسها سلطة فوق كل السلط وتعتبر أنها تفلت من كل رقابة، وغير مقيدة بالقاعدة القانونية التي تنشئها. وبالتالي تتجاوز الصبغة الإجبارية لهذه القاعدة القانونية.

مختلف القوانين والأنظمة والمراسيم والمذكرات… تتضمن أحيانًا عبارات يستفاد منها مفهوم ومعنى السلطة التقديرية للإدارة؛ ومنها على سبيل المثال:
يمكن للإدارة أن تخالفه ذلك حسب…
للإدارة أن تحدد غير ذلك…
للإدارة الصلاحية أو الحرية في…
(…) إلى غير ذلك من المفاهيم التي تستنتج منها هذه السلطة التقديرية التي خولت للإدارة.

ومن بين آليات السلطة التقديرية التي تستعملها الإدارة والمؤسسات العمومية في سعيها لتنفيذ القوانين والأنظمة؛ نجد الدورية والمنشور والمذكرة المصلحية، وهي مجموعة من الوثائق الإدارية كآليات استراتيجية للتواصل بين مختلف المصالح الإدارية التابعة لها. وهاته الوثائق تختلف عن النصوص والقرارات الإدارية، بحيث أنها تبقى مجرد تدابير وآليات تنظيمية إدارية محضة ولا تمت بصلة للتشريع في شيء. فهي، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون؛ لا تحيل أبدًا إلى الميزة الجوهرية للتشريع والقانون؛ ولا المراسيم ولا حتى القرارات التنظيمية أو المقررات الإدارية؛ بل تفتقد للقوة القانونية؛ فهي غير ملزمة إلا في حدود التوضيح أو التنظيم القطاعي؛ حيث تبقى عبارة عن تعليمات كتابية (des instructions) في شكل مذكرات مصلحية ومناشير ودوريات توضيحية فقط. ويمكن أن تتضمن إحالات إلى النص الأصلي الذي قد يبدو حوله نوع من الغموض في الفهم أو توهم في الشيء على غير حقيقته.

وهنا نستحضر الجدل الذي كان سببه منشور الوزير الأول آنذاك بين المرحوم عبد الرحمان اليوسفي، ووزيره في الداخلية المرحوم إدريس البصري؛ حول عقد الاجتماعات من قبل بعض الأحزاب والهيئات والنقابات السياسية والحقوقية؛ بالقاعات العمومية.
فما هو المقصود بهذه الدوريات والمذكرات المصلحية والمنشور؟ وما هي طبيعتها وخصوصياتها وحدودها القانونية والقضائية؟
في تعريف وتحديد وتنميط المقصود بالدوريات أو المنشور (circulaires) والمذكرة المصلحية (note de service)؛ هي عبارة عن كتاب ينشر ويتم توزيعه وتبليغه لجميع المصالح والجهات والأقسام والمديريات والمندوبيات والإدارات المعنية به؛ يهدف توضيحًا أو تفسيرًا وإزالة لبس لقرارات أو تنبيها أو تذكيرًا بتعليمات سابقة.
فهو إذن وثيقة إدارية تحتوي على أوامر أو تعليمات تنشر وتعمم على الموظفين والمستخدمين المعنيين بها، قصد الإحاطة علمًا بها والتقيد بها واتباعها. فهذه الآليات تبقى ذات طبيعة داخلية تصدر عن السلطة العليا المختصة في الجهاز الحكومي أو في إطار التسلسل الإداري الرئاسي بين الرئيس والمرؤوس أو إلى المستويات الدنيا التابعة لهذه السلطة؛ كالمناشير التي يصدرها رئيس الحكومة أو السلطة الحكومية أو الوزير المعني، حيث غالبًا ما يلجأ إلى استعمال آلية الدوريات والمذكرات المصلحية أو المنشورات داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية التابعة لها أو المتفرعة عنها أو في إطار التنسيق فيما بيها.

ويصدر المنشور أو الدورية أو المذكرة المصلحية؛ على ضوء نص قانوني أو تنظيمي معين، يهدف إلى التذكير بغاياته وضبط كيفيات وإجراءات ومسطرة تطبيقه، دون إضافة عناصر جديدة للنص أو مقتضيات معاكسة أو مناقضة له أو التوسع في شرح مضامينه، لأن هذه المهمة من اختصاص المراسيم التطبيقية، فهذه الآليات مجرد قراءات إلى جانب إحالات النص لا غير.

وهذه الآليات تحمل بين طياتها:
1. إما إيضاحات أو تفسيرات وإزالة الغموض أو اللبس؛ بشكل بسيط يسهل على الموجهة إليهم فهمها واستيعابها؛ لتفادي ارتكاب أخطاء قانونية أو أغلاط، كتوهم الشيء على غير حقيقته في حالة سوء الفهم لمقتضيات النص القانوني أو التنظيمي من طرف الساهرين على تنفيذه؛ أو مثار جدل حول كيفية التطبيق.
2. أو يتضمن تعليمات أو أوامر إلى مجموعة من المعنيين به الموجه إليهم قصد العمل على التنفيذ.
3. وقد تكون تنظيمية ويكون لها أثر قانوني، وهنا يفتح المجال للطعن في مقتضياتها على أساس التعسف أو التجاوز أو الشطط في استعمال السلطة؛ وذلك أمام القضاء الإداري، على أساس أنها تمس بمركز قانوني معين للأشخاص أو الجماعات.
فالمنشور أو المذكرة المصلحية أو الدورية التنظيمية لا تكتفي بتفسير النص القانوني أو التنظيمي، بل قد تضيف إليه قاعدة جديدة، غير التي بالمرجع الأصلي؛ فيصبح قرارًا تنظيميًا قابلًا للطعن بالإلغاء لمساسه بحقوق الأفراد أو مراكزهم القانونية.

فمن حيث طبيعة هذه الآليات؛ هناك من يرى أن الدورية أو المذكرة المصلحية أو المنشور؛ ليس له طبيعة قانونية ملزمة؛ وبالتالي فهو ليس بقرار إداري لكونه لا ينشئ أي وضع قانوني؛ أي مجرد إجراء وعمل إداري تنفيذي داخلي يتعلق أساسًا بتفسير وتجسيد القواعد القانونية والتنظيمية السابقة والمتعلقة بالوظيفة الإدارية في المرفق دون أن يضيف أو يعدل أو يلغي فيها.
وهناك اتجاه آخر من فقهاء القانون الإداري؛ يعترف بالطبيعة القانونية وصفة القرار الإداري للدورية أو المذكرة المصلحية أو للمنشور اعترافًا جزئيًا ونسبيًا، في مواجهة العاملين المرؤوسين فقط الذين يلتزمون بالانصياع له وعدم مخالفته وإلا اعتبروا مرتكبين لمخالفات إدارية تستوجب توقيع عقوبات وإجراءات تأديبية في مواجهتهم.

• موقف القضاء من الطبيعة القانونية للدوريات والمذكرات المصلحية والمنشور:
الأصل أن المنشورات والدوريات والمذكرات المصلحية والتعليمات الإدارية الرئاسية ليست بأعمال قانونية أو قرارات إدارية أي ليست لها أية طبيعة قانونية، لأنها لا تنشئ وضعًا قانونيًا جديدًا. ولكن؛ نظرًا لتمتع السلطات الإدارية بسلطة تقديرية عامة، خاصة الوزراء، والمديرون العامون للمؤسسات الإدارية؛ فإن المنشورات والدوريات والمذكرات المصلحية والتعليمات الإدارية التي يصدرونها في نطاق هذه السلطة التقديرية؛ غالبًا ما تتضمن خلق وإحداث آثارًا قانونية جديدة في المراكز القانونية للموظفين العاملين تحت إمرتها، وبالتالي تكون هاته المنشورات والدوريات والمذكرات المصلحية والتعليمات الإدارية؛ منشئة لمراكز قانونية، أي تكون قرارات إدارية ذات طبيعة قانونية، ويجوز لكل متضرر منها وله مصلحة؛ اللجوء إلى الطعن فيها بدعوى الإلغاء؛ إما لعيب عدم الاختصاص أو عيب عدم المطابقة مع مبدأ الشرعية والمشروعية.

وبالتالي فإن احترام مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني يبقى هو الأصل؛ وأن التفسير في حدود التذكير أو التوضيح والإرشاد يبقى آلية لضبط النسق الإداري لا غير.
هنا يفتح المجال لشتى صور التحايل على القانون، الذي يجد تبريراته رغم أنف الجميع في الأسباب المكونة لهذا السلوك الذي غالبًا ما ينصب على تبرير الأسباب والغاية والمحل والإرادة في نهج هذا السلوك أو اتباع هذا الخيار أو هذه السياسة بدل تلك؛ والذي يصعب ضبطه ومراقبته نظرًا لتقنيته وفنيته، أي بحكم الوظائف المعترف بها للإدارة.
فطبيعة العمل الإداري؛ الأكثر تقنية وفنية وتعددًا وتنوعًا، تفتح المجال لشتى صور التجاوز، لكن يبقى آلية ضرورية لتصريف العمل الحكومي والإداري والعديد من الحالات الغامضة أو التي سكت عنها المشرع أو أهملها أو أغفلها.

وفي إطار جدلية الاعتماد المتبادل بين استمرارية المرفق ومتطلبات المصلحة العامة؛ تبقى هذه الآليات أساسية في يد الإدارة والمؤسسات للاستجابة للمتطلبات والقضايا الآنية في إطار الشرعية والمشروعية ومتطلبات مبدأ استمرار عمل المرفق في تقديم خدماته للعموم، وفي حفظ النظام العام وحفظ الصحة العامة والأمن العمومي والسكينة والطمأنينة للمواطنات والمواطنين؛ باسم القانون والصالح العام؛ وليس حبًا في اتخاذ الإجراءات لسواد عيونها.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...