التّأصيل التاريخيّ لمفهوم «خُرَافَة».. وِجهة نظر صادرة من “العالم الآخر” تقتضي الإنصات..

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

* الدُّكتور عبدالله شنفار
الكاتب والمفكر المغربي.

 

 

ماذا يقصد بمفهوم الخُرافة؟
تحليل الخطاب الشعبوي، يتطلب بعض الأدوات، ومنها معرفة الأفكار المشوشة المتواجدة في عقول البشر لإدراك مدى القابلية للأفكار المطروحة ومعرفة مدى عناصر المقاومة وردود الفعل واستيعاب كل تلك المتناقضات المحيطة بها.
فمعرفة شِيفرات هذه الذاكرة المشوشة والتي تعيش حالة شك وريب وارتباك أو حالة جمود وركود وأفكار ميتة؛ يتطلب القدرة على التواصل؛ من خلال عملية انتقاء المعلومات ودراستها بدقة؛ لمعرفة من ستقاوم ومن ستقتنع بسهولة ومن يسهل تغييرها؛ مع إخضاعها للتقويم والتتبع والتجاوز لخلق فضاء مفتوح قابل للتطور.
في المجتمعات الحديثة؛ هناك حرب أفكار مستدامة. وعندما نخاطب عقولًا وأفكارًا؛ فنحن نصنع بذلك الرأي العام؛ من خلال محاولة إحداث تغييرات وتأثيرات عميقة فيه.
وبالتالي لكي ننجح في إيصال فكرة معينة؛ لابد من معرفة شيفرات المتلقي أو من نخاطب. هذه الشِّفرات تتغير باستمرار من حال إلى حال؛ وفيها الثابت الذي لا يتحول ولا يتغير وفي حالة جمود.

الأمر اذن يتطلب ذكاء وقدرات لمعرفة قوانين التحول الاجتماعي؛ التي هي عبارة عن فضاءات ومساحات ملغومة ومزروعة بالعديد من الأفكار والقيم والألغام السابقة من مختلف القناعات والمصالح المتناقضة؛ الاجتماعية والسياسية والمالية والاقتصادية والشخصية والعسكرية والإستراتيجية… وغيرها؛ منها الضارة ومنها النافعة؛ ومنها الإيجابية ومنها السلبية. وبالتالي كل خلل في الخطاب والتواصل وفهم الواقع الدولي والمحيط العالمي؛ سوف يؤدي حتماً إلى نتيجة عكسية.
كلمة “خُرَافَة”؛ هي في الأصل اسم شخصي لرجل وهو: «خُرَافَة الجهني أو العذرى»..! وتُقال للتعبير عن شيء لا صلة له بالواقع؛ أي شيء من صنع الخيال فقط.
ويحكى في قصة مشهورة من حكايات الجاهليّة، أن رجلاً كان بسمى: «خُرَافَة الجهني أو العذرى» خطفته الجِن، ثم رجع إلي قومه بعد غياب لمدة طويلة؛ فكان يحدث الناس بالأعاجيب والأحاديث والغرائب المُثيرة عما شاهده في عالم الجآن؛ فكان الناس يستغربون ويندهشون ويتعجبون منها فكذبوه؛ وأصبحوا يرددون القول: حديث «خُرَافَة».
هذا هو أصل مسمى كلمة «خُرَافَة». يقال: “اكذب ثم اكذب لعلَّ الناس يصدقونك يوماً ما.”

في التأصيل التاريخيّ والعلميّ لمفهوم الخرافة والأسطورة كمصدر لإنتاج الفكر السياسي، ومن خلال رصد التطور التاريخي للفكر السياسي؛ نجد على أنه امتداد للفكر الأسطوري والخُرافي. فالأسطورة والخرافة؛ كانت أول شكل من أشكال التفكير استطاع بعض الأشخاص التميز به عن باقي الآخرين، حيث كان في العهد اليوناني يتم عزل التنشئة وتلقينها فن المنطق والأسطورة والحكي والخرافات المستمدة من الخيال والخوارق؛ وحينما يتكونون ويبلغون أشدهم؛ يصبحون يتميزون بالحكمة ويطلق عليهم: “مالكي الحِكمة” أو العباقرة (وهم الفلاسفة).
وهؤلاء تناط بهم مهمة حماية حقوق وحريات الأفراد وتأمين عملهم داخل المجتمع، بحيث يتميزون عن عامة الناس. هذا، وقد اعتبر عالم الاجتماع (دوركهايم) أن الأسطورة والدين والمعتقد واللغة والعلم؛ هي تمثلات في الضمير الجمعي، وبالتالي هي تمثلات جمعية واجتماعية.
كلّ نظرية أو فكرة، تحمل عِلّة تجاوزها بذاتها؛ وتصبح مع مرور الزمن، مجرد خُرافة أو أسطورة متجاوزة، وذلك عندما تظهر حقائق وأدلة ودلائل علميّة جديدة أو تجارب تتعارض مع هذه النظرية السائدة بشكل جوهري.
والجديد هو الوضع الراهن للصحراء الغربية المغربية؛ التي هي قضيّة وُجود بالنسبة للمغاربة، وليس مسألة حدود. وهذا هو السّقف والباقي مجرد وهم أو نسميه خُرافة على حد تعبير ما جاء من العالم الآخر. فالكرامة الوجودية لإنسان العيون الساقية الحمراء ووادي الذهب وبوجدور والطنطان وآسا والسمارة؛ لا تقاس بما يعانيه من هو محتجز بمخيمات تنعدم فيها أبسط شروط العيش الكريم.

المؤسسة الملكية بالمغرب؛ كضابط للنسق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي؛ تعمل على تأمين عمل عدة قوى تعمل داخل الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي المغربي؛ والعمل على بلورة السياسات العامة والعمومية؛ التي في جميع الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ تستهدف ثلاث قضايا وأبعاد رئيسية كبرى التي هي:
1. قضية وجود؛ وتعني ضمان وجود الدولة والإنسان فوقها.
2. قضية استمرار؛ أي ضمان استمرارية وغياب كل مسببات زعزعة الحكم والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
3. قضية تنمية وبناء وسياسات حضرية؛ وتعني ضمان تطور وازدهار في جميع الميادين والمجالات.
دام لك المجد والشُّموخ يا بلدي المغرب.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...