لسنا قاصرين حتى يفرض علينا أحدًا سلطة الوصاية.. جدلية المساعدات في معادلة مبدئي السيادة والمعاملة بالمثل بين الدول..
الدكتور شنفار عبد الله
الكاتب والمفكر المغربي
في الجواب على سؤال: ما الذي يخشاه المغرب من تقديم مساعدات بعض الدول مثل فرنسا والجزائر!؟
الجواب؛ بكل بساطة؛ لقد درسنا في السنوات الأولى من الحقوق؛ مبدأ من المباديء التي تحكم العلاقات الدولية؛ اسمه: «مبدأ المعاملة بالمثل بين الدول» (norm of reciprocity).
وهذا المبدأ الذي يحكم العلاقات ما بين الدول؛ لا علاقة له بقوله تبارك وتعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ.}؛ والذي كثيرًا ما يتخذ المعيار الاجتماعي للمعاملة بالمثل أشكالًا مختلفة باختلاف مجالات الحياة الاجتماعية، أو باختلاف المجتمعات؛ لكن جميعها تختلف عن الأفكار المتعلقة بالامتنان، أو أخلاقيات التعامل، أو الأخذ والعطاء، أو النوايا الحسنة المتبادلة.
مبدأ المعاملة بالمثل؛ يتطلب أن نرد ما يفعله الآخرون معنا بمثله. يمكن فهمه على أنه توقع أن يتجاوب الناس بشكل إيجابي مع بعضهم البعض عن طريق رد المنفعة بمنفعة، ورد الضرر بلا مبالاة أو عداء.
ونضرب مثالًا لذلك لكي يتضح المقال. لقد سبق لبلدنا وعرض على دولة الجزائر المساعدة في إخماد الحرائق؛ لكن لم تكلف نفسك حتى عناء الرد على مقترح المغرب..! وهذا عيب في اللياقة الديبلوماسية بين الدول ذات السيادة.
مثال آخر؛ وهو أن تقلل الاحترام على ملك المغرب؛ وتعادي بشكل ممنهج قضيته الوطنية؛ بل وتحرض عليه نواب حزبك لتحريك دعوى قضائية ضد المغرب أمام محكمة الإتحاد الأوروبي؛ بحجة حقوق صحفي يسب ويشتم المغرب يوميًا ويرتكب أفعالًا جرمية يعاقب عليها القانون؛ بل وتنصب نفسك وصيًا على دولة المغرب، وتتكلم في غيابها، ودون حضورها أو تكليف أو توكيل منها؛ وتسمح لنفسك بمخاطبة الشعب المغربي مباشرة دون أية صفة؛ وبلغة فيها نوع من الاستقواء والاستعلاء والانتقاص؛ ما لم يجرؤ يومًا على فعله حتى المقيم العام الجنرال (اليوطي) ولا حتى الجنرال (ديكول)؛ حين كان المغرب يرزح تحت سيطرة فرنسا؛ بل تتعامل مع المغرب معاملة الشيخ بالمُريد في إطار علاقة الأبوية (Relations patriarcales)؛ ومع كل هذا؛ تعرض تقديم يد المساعدة للمغرب.
المغرب ليس بلدًا شحَّاتاً يلتمس الإحسان العمومي الدولي؛ المغرب دولة ذات سيادة. المغرب يعرف كيفية تحديد حاجياته من المساعدات وبرمجتها إستراتيجيًا؛ وفق عرض مساعدات الدول الصديقة والشقيقة؛ على المدى: القريب، والمتوسط، والبعيد.
يقال على لسان حال تمغربيت: إذا لم تستحِ؛ فاصنع؛ وافعل؛ واعمل؛ وقل؛ ما شئت.
الصندوق رقم: (126) الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي شهده المغرب؛ والذي تم إحداثه بناءً على تعليمات ملك المغرب محمد السادس؛ في إطار الجهود الوطنية للتصدي لمخلفات الزلزال الذي ضرب عدة مناطق؛ هو الحساب الوحيد والطريقة الوحيدة؛ لضمان وصول مساعدتك؛ بعد تبرعك بالدم؛ دون سرقة أو تلاعب فيها من طرف انتهازيين.. ففي ظل هذا التعدد والتنوع؛ في مختلف مصادر التبرعات والمساعدات؛ وغياب التدبير المحكم؛
وفي ظل تنامي فكرة تقليدية: (من ليدك ليدو)؛ ومعناها دون وسيط؛ أي تغييب لمؤسسة الدولة، وانعدام الثقة فيها. وهي شبيهة إلى حد ما بفكرة دِينية خطيرة منتشرة لدى بعض تجار الدين: (لا تؤدي الضريبة؛ بل أخرجها زكاةً)..!
ومهما يكون؛ لا يسعنا إلا أن نكون تحت ذمة الدولة والمؤسسة الملكية؛ وليس في ذمة أحد.
والخلاصة:
نحتاج إلى منهج وطني قومي لتقوية الذاكرة الوطنية الجمعية؛ وتقوية الوجدان القومي؛ في التحديد والإبداع والابتكار؛ وعنصر الثقة؛ لإعادة بناء الشخصية المغربية.





