لبنى الفلاح
إعلامية مغربية/ مديرة نشر صحيفة الحياة اليومية
بمجرد إسدال الستار على أجواء الحرب الفلسطينية الإسرائيلية حتى بدأت الانتقادات الواسعة للفشل الذريع لقوات الاحتلال تنطلق من قيادات بارزة في الكيان الصهيوني. وفي الوقت الذي قال عضو الكنيست «ريه الداد» إن «إعلان التهدئة معناه أن إسرائيل رفعت الراية البيضاء وخضعت للإرهاب.. لقد طالب نتنياهو من الجيش أن يغادر وهو خانع، كالكلب الذليل»، طالب عضو الكنيست، ميخائيل بن آري، رئيس حكومة «بنيامين نتنياهو» بالاستقالة، بينما قال زعيم المعارضة ورئيس حزب «كاديما» «شاؤول موفاز»: «إن حماس انتصرت خلال هذه الجولة وإسرائيل هي الخاسر الأكبر.. وبدلاً من تدمير حماس، خرجت حكومة نتنياهو من الحملة وهي تجر ذيول الخزي والعار».
عموما الحرب هي نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر من الكيانات والتحالفات غير المنسجمة، حيث الهدف هو إعادة تنظيم الجغرافية السياسية للحصول على نتائج مَرْجُوة ومصممة سلفا وبشكل ذاتي، ولا توجد حرب دون تحديد حالة الإنهاء وشرطِه وإلا فإن الأمر يشبه السير في الميدان بلا بوصلة. وفي حالتنا؛ حالة الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، فالحرب قد انتهت والمقاومة من سطرت نهايتها بعد تحقيق الهدف.
في افتتاحيةٍ لأكبر جريدة إسرائيلية لهذا اليوم، قالت صحيفة «هارتس» إن «الفلسطينيين أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أوطانهم».
حقيقة لم نكن بالحاجة إلى صحيفة «هارتس» أو غيرها لنقول إن الشعب الفلسطيني أقوى شعوب العالم إرادة وأشدهم عزما، فيكفي ما عايناه وما كنا نقرأه ونستقبله من أنباء يوميا عن صمود هذا الشعب الأعزل الذي ظل يُحارب لأزيد من خمسٍ وسبعين عامًا من أجل حقه في العيش وحقه في إقامة دولته المستقلة والسيادة الكاملة على ترابه.
اتفاق الهدنة أعادنا لا محالَة إلى تاريخ السابع أكتوبر، حيث سيشهد العالم عملية «طوفان الأقصى» التي وإن كانت معركة عسكرية صِرفة إلا أن من قام بها كان يُدرك سلَفا أن من ورائها مكاسب سياسية يجب تحقيقها، في ظل سياق كان يتسم بتجاهل إسرائيل للحصار المفروض على غزة طِوال 17 عاما، وتراجع القضية الفلسطينية في النشرات الإخبارية وقصاصات الأخبار، وحيث قطار التطبيع كان يتسلل وبسرعةٍ نحو معظم الدول العربية والإسلامية إلى عمان وتونس ومصر والإمارات والمغرب والسودان وتركيا والسعودية.. وغيرها.
عملية «طوفان الأقصى» جاءت لفضح ولوضع حدٍ لكل المخططات الإسرائيلية التي كانت تسعى من ورائها هذه الأخيرة، للتغول بفلسطين وعلى الدول المحيطة وبكافة الدول العربية.
أيضا جاءت لوضع القضية الفلسطينية في مقدمة القضايا الاستراتيجية للأمة وإعادة الحيوية لها وتصحيح البوصلة في اتجاه تحرير فلسطين؛ كل فلسطين. وقد لاحظنا كيف عاد الشعب الفلسطيني للظهور كشعب محتلٍ وذو قضية حيَّة وعادلة من خلال عملية استراتيجية واضحة هزت أركان إسرائيل وجيْشها الذي قيل لنا إلى عهد قريب إنه جيش لا يُقهر، وها هم الفلسطينيون بمقاومتهم يثبتون للعالم في جوابٍ سريع أنه جيش من السهل هزمه رغم الإمكانيات العسكرية التي يمكلها والدعم الذي كان يتلقاه من الإدارة الأمريكية ومن العواصم الأوروبية.
العملية استطاعت أن تُفشل مخططات إسرائيل في تحقيق أهدافها سيَّما القضاء على حركة المقاومة «حماس»، والاستيطان في غزة وتقسيم قطاعها، وكذا تحرير أسراها بالقوة. وعكس ما كانت تصبو إليه، فقد خسرت إسرائيل صورتها أمام العالم؛ حيث ستصدر المحكمة الجنائية الدولية، ولأول مرةٍ، في نونبر 2024 مذكراتَ اعتقالٍ بحق رئيس الحكومة «بنيامين نتنياهو» ووزير الأمن السابق «يوآف غالانت»، مُسنِدة لهما تهمتين تتعلقان بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تشمل ارتكاب جريمة التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وجرائم ضد الإنسانية تتمثل في القتل والاضطهاد وغيرهما من الأعمال اللاإنسانية. كما بات الإسرائيليون منبوذون في كافة دول العالم وبكل المحافل الدولية؛ تجلى ذلك أكثر في الشجب الدولي المتواصل لكثير من القادة بمن فيهم حلفاء إسرائيل نفسها والمنظمات الأممية للمجازر التي كانت ترتكبها دون كَلَلٍ، حيث الحصيلة بلغت منذ السابع أكتوبر حتى الـ15 يونيو 2024، وفق أرقام الصحة الفلسطينية، 37296 قتيلاً و85197 جريحاً، وأزيد من 1.9 مليون نازح، بالإضافة إلى نحو 1.95 مليون نسمة يواجهون انعدام الأمن الغذائي.
بالنسبة للفلسطينيين ورغم هذه الحصيلة الثقيلة فمعركة «طوفان الأقصى» هي مجرد جولة قد تلحقها جولات أخرى لا يهم ما دام الرابح هو الفلسطيني ذاته الذي يريد أن يعيش في وطنه ولم يتركه رغم القصف، فكل ما يهم الفلسطينيين اليوم هو قِسطِ الراحة بعد حربٍ مدمِّرة لم تنل منها إسرائيل غير الخراب والدمار وقتل الأطفال والمدنيين من الشعب الفلسطيني.
وبمنطق الربح والخسارة دائما، فقد فاقت الخسائر المباشرة لإسرائيل في أطول حربٍ عرفتها في تاريخها، (فاقت) بكثير 250 مليار شيكل (67.57 مليار دولار) تشمل الإنفاق العسكري المباشر والإنفاق المدني والإيرادات المفقودة، بغض النظر عن خسارة سياسية وعسكرية مدوية لحقت حلفاءها وداعميها في المنطقة.
أكثر من ذلك، قالت «هارتس» الإسرائيلية إن خسارة هذا الكيان كانت تتعدى في كل ثلاثة أيام 912 مليون دولار مِن طَلَعَاتِ الطائرات وثمن صواريخ «الباتريوت» وتزويد الآليات بالوقود، بالإضافة إلى استهلاك الذخائر والصواريخ على كافة أنواعها، وتعطل الحركة التجارية وهبوط البورصة وتوقُّف مُعظم المؤسّسات وأعمال البِناء والشلل التام في جميع مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، وتعطُّل المطارات وخطوط القطارات وثمن إطعام الهاربين إلى الملاجئ، ناهيك عن تدمير المنازل والمحلات والسيارات والمصانع.
الخسارة لم تقف عند خسارة عسكرية وأخلاقية وسياسية لإسرائيل، بل امتدت إلى كافة الأنظمة العربية والإسلامية التي راهنت على هذا الكيان ضد شعب أعزل نِكاية في شعوبها، لتتعرى ودون وعي منها عوراتها، ولا يسعنا هنا في المغرب إلا أن نردد في آذان أصحاب «كلنا إسرائيليون» مرة أخرى: «إسرائيل انتهت ذليلة وكلنا فلسطينيون».
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف.