* الدكتور محمد الخمسي
قبل الحديث عن العجز في الإبداع من طرف الإعلام العمومي، كانت هناك كتابات تدّعي أنه لا يمكن التعليق على مسلسلات القنوات العمومية إلا بشرط مشاهدتها، وهو قول ينطوي على مغالطة منطقية. إذ لو أخذنا بهذا الرأي، فلا يمكن الحديث عن الجريمة إلا بارتكابها، ولا عن السرقة إلا بممارستها، ولا مناقشة القانون إلا بالتخصص فيه، علمًا أن كثيرًا من أعضاء المؤسسات التشريعية ينتمون إلى عوالم أخرى.
القول المتوازن هو أن من له أرضية لا بأس بها في مجال الإعلام، ومن له احتكاك بأصحاب الفن الدرامي، ومن خلال الاطلاع والإنصات، تكفيه حلقة أو أقل ليستنتج الكثير.
لا يشك أحد في أن المغاربة يحبون ثقافة بلدهم ومعالجة قضاياه، ولكن بعين سينمائية ذكية تعطي قيمة مضافة من خلال المقاربة والمعالجة، وتقترح رؤى إنسانية واجتماعية نحو الهدف، عبر الرفع من الذوق العام، وتهذيب المشاهد، واقتسام تجارب اجتماعية بلغة إبداعية. ولا يكون ذلك إلا بمهنية وحرفية محترمة، وتراكم جهود موصولة بروح النقد البنّاء، متحررة من الانتهازية وثقافة الزبونية. وهنا نقف عند مواقف وسلوكيات تعبر عن أن الإعلام العمومي يصبح غنيمة في رمضان، بحيث نجد أنفسنا أمام ثلاثة نماذج:
1. “الفنانة” التي تفهم النقد على أنه شتيمة، وأنها مستعدة للجوء إلى القضاء ضد من قام بالنقد. لا داعي لأن ترفع من قيمتها بالنقد، فهي لا تؤمن إلا بالنقود. وبالتالي، فإن إحدى أدوات تطور المجال، وهي النقد في مجال الدراما، أصبحت معطلة بل مرفوضة، لأنه اختلط في عقل الصغار أنه شتم.
2. “الفنان” الذي يتحدث بنفس لغة المقهى داخل المسلسل، فهو لا يؤدي دورًا اشتغل عليه، بل يعيش الامتداد الطبيعي لحياته الشخصية أمام آلاف المغاربة. وبالتالي، لا تناقش “طرف ديال الخبز، الله يحسن العوان”، فهو مسكين وجدها أسهل مما كان يعتقد. ذلك أن شخصية الفنان يجب أن تكون شخصية الدور الملتزم به داخل نسق القصة أو المسلسل، وليس تقديم شخصه اليومي كما يعيش مع أسرته وأقرانه وفي المقهى المعتاد.
3. “المخرج” الذي لم يتخرج من أية مؤسسة فنيّة أو علميّة أو أدبيّة، وينظر إلى القنوات العموميّة كسوق تُباع فيه السلع ويُقبض الثمن.
* الخلاصة:
الإبداع من خلال السماسرة لن يكون فنًا، ولو ادّعى أهله ذلك. تشابهت العناوين فقط، كما تشابه البقر على من قبل.