طلحة جبريل
كان ذلك الصباح ماطراً، تهاطل مطر غزير بعد فترة انقطاع.
يقال في المغرب إن أمطار هذه السنة أنعشت ذاكرة التسعينيات.
فضلت أن أمشي تحت المطر واستمع للموسيقي.
في الطريق نحو محطة القطار” الرباط أكدال “. شعرت بنشوة.
كنت أستمع لأغنية حب جميلة لا أفهم كلماتها للمثل الهندي الراحل شامي كابور. أغنية ترسل رعشة مثيرة مثل قطرات المطر، وتمنح طاقة مدهشة، سرت في دواخلي بهجة، ونسيت الكثير من المنغصات والتفاصيل المملة، ووجدت نفسي أعيش راحة بال إلى حد كبير، وحالة خدر لذيذ.
ثم استمعت إلى أغنية أخرى للمغنية الفرنسية نتالي كاردون، وهي تغني بالإسبانية، لم أفهم كلمات الأغنية لكن من الواضح أنها في رثاء أرنستو تشي جيفارا ، عندما تنطق المغنية اسم ذلك الثائر الأسطوري ينهمر صوتها مثل المطر.
في القطار نحو الدار البيضاء كانت زخات المطر على النافذة الزجاجية تبعث على الارتياح .
كنت أحمل معي خمس صحف يومية، وكتابين. شرعت في قراءة الصحف، بين الفينة والأخرى أتأمل قطرات المطر على زجاج عربة القطار، أفسد هذه الأجواء الجميلة، مسافر يستمع من هاتف محمول إلى مسرحية بالفرنسية، وصوت الهاتف مرتفع إلى حده الأقصى. بادرت سيدة في العربة وطلبت منه أن يستعمل سماعات. عاد الهدوء للعربة، واستمر صوت زخات المطر.
كنت أحمل كتابين، وهي عادة وجدتها مفيدة للغاية. الكتاب الأول، بعنوان “مصر إلى أين .. ما بعد مبارك وزمانه” وهو الكتاب الثالث عن “مبارك وزمانه”. وفي الكتاب توثيق غير مسبوق. يقول محمد حسنين هيكل” لم أكن أريد لنفسي ولا لغيري من جيلي أن نتدخل، فكلنا الآن في الغروب أو على مشارفه والصبح والظهر والعصر لها أصحابها”. وهي إشارة واضحة إلى أنه لم يكن يريد أن يتحدث عن حسني مبارك وزمانه، لكن وجد نفسه مدفوعاً إلى الكلام.
كتاب وثيقة تركه هيكل خلفه بعد أن غادر دنيا الناس هذه في فبراير 2016 .
أقول بوضوح إن إعجابي بالصحافي والكاتب محمد حسنين هيكل، يماثل إعجابي بالصحافي الأسطوري بوب وإدوارد، كنت محظوظاً أن التقيهما في لندن وواشنطن .
وفي ظني أن هيكل وبوب يمثلان نموذج “الصحافي الاستقصائي”. إذ أحس أحد من خلال ما أكتب أن إعجابي بهما ظاهر فهذا الإحساس صحيح ولست أداريه. كلاهما صعد بالمهنة إلى أعالي القمم .
الكتاب الثاني بالإنجليزية” flowers for Mrs. Harris” (زهور للسيدة هاريس) للكاتب الأميركي بول جاليكو، قرأت منه صفحات على وقع زخات المطر، وهي رواية مشوقة أقرأها للمرة الثانية.
يكتب جاليكو بإنجليزية فاخرة عن منظفة تعمل في منازل الطبقة المتوسطة في لندن، ظلت طيلة حياتها تحلم بالسفر إلى باريس لشراء فستان من متجر “ديور”. كتاب ممتع .
ما أجمل الأيام الماطرة.