مونية علالي تكتب عن الحنين للوطن.

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

هو الحنين للوطن، ذلك الشعور المعقّد الذي يحمل في طيّاته مزيجاً من الحب والشوق وأحياناً كثيرة جرعات من الألم. والأكيد أن “ثمنه” العاطفي يضاهي ثمنه المادي. فالحنين قد يذيقنا لحظات من الحزن أو التفكير المستمر، وانعدام الاستقرار ولربما شعوراً بالانتماء المضطرب وتذوق مجريات الحياة المفقود، الشيء الذي قد يكلّفنا أيضاً قرارات كبيرة في حياتنا، مثل العودة في منتصف تجربة لم تكتمل أو إيجاد طرق جديدة للحفاظ على الروابط مع ثقافتنا ومن نحب، وأحيانا قد يلجأ البعض لقطع الأواصر والتجرد من الماضي والأصول. ومن ناحية أخرى، يمكن لذات الحنين أن يكون دافعاً قوياً للإبداع والنمو الشخصي، وتحويل مشاعر الغربة إلى فرصة لاكتشاف الذات والتواصل مع العالم بطرق جديدة.
الحنين إلى الوطن يمكن أن يكون له تأثير عميق ومتنوع على الهوية الثقافية، إذ إنه يساهم في تعزيز الارتباط بجذورنا وذكرياتنا المرتبطة بثقافتنا الأصلية. حين نكون في المهجر، يصبح الحنين وسيلة لتجديد علاقتنا مع القيم والعادات التي نشأنا عليها، مما يعيد تعريف هويتنا الثقافية من جديد. ومن جهة أخرى، قد يدفعنا إلى التمسّك ببعض الجوانب الثقافية بشدّة، حتى وإن لم تكن جزءاً كبيراً من حياتنا قبل الهجرة ليصبح التضارب بين الثقافة الأصلية وثقافة البلد الجديد حالة من الاندماج أو الازدواجية تولد معها أجواء جديدة وبوادر لحياة مختلفة تجمع الأجمل من الواقعين وقد يصبح مصدر إلهام للفنانين والمبدعين فتكتب على هوامشه قصيدة أو تألف على روافده رواية أو ترسم لوحة بمعالم الوطن من خلال الذاكرة.
متعة أخرى ما مثلها متعة تلك التي يضفيها الحنين خاصة على تجربة العودة للوطن. عندما يعيش الإنسان بعيدًا، يصبح الوطن أكثر من مجرد مكان؛ فهو يحمل ذكريات، أصواتًا، روائح، ومشاعر ترتبط بالهوية والجذور. الحنين يجعل العودة مليئة بالتوقعات والدفء، كأنك تعود إلى حضن مألوف افتقدته لفترة طويلة، يجعل الإنسان يرى وطنه بعيون مختلفة حيث إن التفاصيل التي كانت عادية في الماضي قد تبدو مليئة بالسحر والمعنى عند العودة. إنه شعور يمزج بين الراحة والاستكشاف من جديد.
ولعل هذا ما حضر معي وانا أزور ربوع الوطن وقد عادت لها الخضرة في الربوع وتفتحت في جنبات طرقها ازهار الاقحوان وتجملت هضباتها بحمرة شقائق النعمان. الحنين رسم في عيوني أجمل لوحة لأجمل بني ملال لا يفارقني الشوق اليها.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...