عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا
اليوم في منتجع سوتشي المطِلّ على البحر الأسود، تنعقد الجولة الثامنة من الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي على مستوى وزراء الخارجية، في توقيت لا يمكن أن يكون أبعد عن الحياد السياسي. فبعد يومين فقط من الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة، تأتي موسكو لتؤكّد موقفها، وتنطلق الجلسة العامة للحوار لتعرض أجندة شاملة تمتد بين القضايا الإقليمية والعالمية، تشمل التجارة، والاستثمار، والشؤون الثقافية والإنسانية.
هذه اللحظة ليست محض اجتماع بروتوكولي؛ بل أشبه بصيغة توازن جديدة تحاول أن تمحو آثار الهجوم على الدوحة، وتعيد رسم خطوط التحالفات، وتحجيم المواجهات المحتملة في الشرق الأوسط.
الاتصال الهاتفي الذي تم بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يعكس أكثر من مجرد دعم رمزي؛ إنه موقف واضح من موسكو، تؤكّده البيانات الرسمية، بأن ما حصل هو “انتهاك صارخ لسيادة قطر ووحدة أراضيها”.
بهذا الموقف، تستثمر روسيا تأزمًا إسرائيليًا دوليًا لتعزيز صورتها كطرف يدافع عن المبادئ القانونية والسياسية التي تُمكّنها من إعادة بناء ثقافة الثقة مع الدول الخليجية، بما في ذلك قطر، التي لطالما لعبت دور الوسيط والإصلاح في الملفات الإقليمية.
الحوار الاستراتيجي في سوتشي: بين الفرص والتحديات
الفرص:
الحوار لا يقتصر على الأزمات السياسية، بل يمتد إلى مجالات يفترض أنها تتيح تحقيق مكاسب ملموسة للشعوب: مشاريع مشتركة، تسهيلات تجارية، استثمارات في البنية التحتية والطاقة.
إعادة تحديد مَعادلات القوة في المنطقة
غياب موقف موحّد خليجي تجاه التحديات الإقليمية يمنح موسكو فرصة لتثبيت اسمها كفاعل مهم في الملفات الشرق أوسطية، خصوصًا حين تُعرَف بمواقفها الحازمة التيتُعبّر عن رفض انتهاك السيادة، كما فعلت في دفاعها عن قطر.
في لحظة تزداد فيها التوترات، يُعد الحفاظ على قنوات الحوار المفتوحة أمرًا أساسيًا لاحتواء التصعيد. اجتماع سوتشي يمكن أن يكون منصة لترسيخ آليات تنسيق سياسي أفضل، وتحديدًا لمنع تكرار الأزمات على حدود الدول ذات الأدوار الوسيطة.
التحديات:
تباين المصالح الخليجية
الدول الأعضاء في مجلس التعاون ليست كتلة موحَّدة؛ هناك اختلافات في الرؤى تجاه إسرائيل، ومعيار السيادة، والاستثمار مع روسيا. مثلاً، قد لا تشارك دولة ما في ردود الفعل بنفس الحدة أو الإدانة، مما يؤدي إلى تردد في اتخاذ مواقف مطلقة.
الضغوط الدولية المعاكسة
علاقات بعض دول الخليج بإسرائيل أو الولايات المتحدة تؤثر على الخيارات والخطوات الممكنة في السياسة الخارجية. لذلك، أي تمايز في الموقف قد يُفسّر كتحوّل استراتيجي، ويُثير ردود فعل داخلية وخارجية.
الشرعية الدولية والخشبة القانونية
بينما تُدين روسيا الهجوم، فإن الفعل على أرض الواقع، استعمال القوة، وانتهاك السيادة يستدعي مواقف عملية من الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، وهو ما قد يُقيّد من حرية الحركة أمام الضغوط الدولية.
اجتماع سوتشي لا ينبغي أن يُقرأ كمجرد متابعة للأحداث، بل كبداية محورية لتصور جديد في العلاقات بين الخليج وروسيا: تصور يحتمل أن يُرسّم خطوطًا تعاونًا استراتيجيًا يُبنى على مكاسب مشتركة، لا على تبعية أو تنازل.
إذا تحققت الطموحات الاقتصادية والسياسية التي تُناقش اليوم، فسيُسجَّل هذا الحوار كبوابة لحالة أمنية جديدة في الشرق الأوسط: حيث لا يكون الحوار رد فعل فقط، بل استراتيجية عمل.