عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا
في مدينة صلالة العُمانية، وعلى وقع الأحداث الإقليمية المتسارعة، التقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بجلالة السلطان هيثم بن طارق، سلطان عمان، في لقاء أخوي استثنائي حمل دلالات استراتيجية عميقة، وأعاد التأكيد على متانة العلاقة بين البلدين، لا بوصفها تحالفًا سياسيًا عابرًا، بل باعتبارها شراكة تاريخية تستند إلى أواصر الأخوة، وروح التعاون البنّاء.
يأتي اللقاء في ظل تحولات إقليمية معقدة، أبرزها العدوان الإسرائيلي الأخير على دولة قطر، والذي حاز إدانة صريحة من القيادتين الإماراتية والعُمانية، حيث اعتبره الجانبان انتهاكًا صارخًا لسيادة الدول، وتهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة واستقرارها. هذه المواقف، وإن كانت متوقعة من بلدين عرفا بمواقفهما المتزنة، تعكس وعيًا سياسيًا بأهمية الوحدة الخليجية في مواجهة التحديات المشتركة.
العلاقة بين الإمارات وعُمان لا تقتصر على التعاون السياسي أو التفاهم الدبلوماسي، بل تمتد إلى عمق اجتماعي وثقافي واقتصادي يعكسه التداخل بين شعبي البلدين، وحرص قيادتيهما على توطيد روابط الجوار والمصير المشترك. وقد أكد الشيخ محمد بن زايد أن العلاقة مع عُمان “ليست فقط على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وإنما كذلك على المستويين الاجتماعي والثقافي”، مشيرًا إلى إرث الشيخ زايد بن سلطان والسلطان قابوس بن سعيد في ترسيخ المحبة والاحترام بين الشعبين.
في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة بين البلدين توسعًا ملحوظًا في مجالات الاستثمار، والتكامل اللوجستي، والطاقة، والنقل، والبنية التحتية، وهو ما يُترجم في مشاريع حيوية وشراكات استراتيجية تسهم في تعزيز الاقتصاد الخليجي بشكل عام. كما تمثل المبادرات المشتركة في مجال النقل البري والربط السككي مثالًا واضحًا على الإرادة السياسية لتجسيد التكامل على الأرض، وتحويله إلى واقع ملموس ينعكس على رفاهية المواطن.
أعاد اللقاء بين الزعيمين التأكيد على أن وحدة الموقف الخليجي هي الردّ الأمثل على الاعتداءات الخارجية، حيث أدانت كل من الإمارات وعُمان العدوان الإسرائيلي على الأراضي القطرية، واعتبرتاه خرقًا فاضحًا للقانون الدولي وتهديدًا للأمن الإقليمي. هذه الإدانة المزدوجة تُشكّل جزءًا من خطاب خليجي متماسك، يسعى إلى تأكيد أن أمن أي دولة في مجلس التعاون هو أمن مشترك للجميع.
الحديث عن “التكامل الخليجي” لم يعد شعارًا دبلوماسيًا بقدر ما أصبح ضرورة استراتيجية. لقاء صلالة أكد رغبة البلدين في دعم مسيرة مجلس التعاون الخليجي، وتعميق أواصر العمل المشترك بين دوله، بما يحقق تطلعات الشعوب نحو الأمن والاستقرار والازدهار. فالتحديات المشتركة، من النزاعات الإقليمية إلى التحولات الاقتصادية العالمية، لا يمكن مواجهتها إلا من خلال موقف موحد، ورؤية جماعية.
تُمثل العلاقات بين دولة الإمارات وسلطنة عمان نموذجًا فريدًا من التعاون الخليجي المبني على الثقة والاحترام المتبادل. وبينما تتبدل التحالفات الإقليمية وتتصاعد التوترات، تبقى العلاقة بين أبوظبي ومسقط ثابتة، تحمل في طيّاتها روح الأخوة، وعقلية الدولة المسؤولة التي توازن بين المصالح الوطنية والواجبات الإقليمية.
إن ما يجمع بين الإمارات وعُمان ليس مجرد جغرافيا أو مصالح، بل تاريخ مشترك، وإرادة سياسية واضحة في السير قدمًا نحو شراكة أوسع، قادرة على مواجهة المتغيرات، وتحقيق تطلعات الأجيال القادمة.