محمد ﷺ.. السراج المنير الذي أضاء ظلمات العالم

إيطاليا تلغراف

 

 

 

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

 

 

في عالمٍ تزداد فيه الحيرة وتتكاثر فيه الأزمات، تبقى سيرة النبي محمد ﷺ النور الذي لا يخبو، والبوصلة التي لا تنحرف. لقد بعثه الله سبحانه وتعالى بشهادة السماء قبل الأرض، فقال تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَٰكَ شَاهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا ﴾.
فجاء نوره ليبدد ظلمات الجهل والظلم والفرقة، وجاءت رسالته لتكون رحمة للعالمين، وهداية شاملة للقلوب والعقول.

لم تكن رسالة محمد ﷺ خطابًا مؤقتًا لقوم بعينهم، بل جاءت آياتها ومعانيها لتُضيء دروب البشرية في كل العصور، فتغذت بها العقول، وارتفعت بها الأرواح، وتطهرت بها النفوس من شوائب الشرك والأنانية والظلم.

لقد أتى رسول الله ﷺ بعقيدةٍ نقيةٍ خالصة، تنفي عن الإنسان عبودية ما سوى الله، وتهذب قلبه وسلوكه، وتسمو به عن التعصب والتفرقة، حتى لا يبقى تفاضل بين الناس إلا بالتقوى.

قال الله تعالى:
﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِيٓ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفِ ﴾.
فكانت هذه العبادة سبيلًا للأمان الداخلي والخارجي، وروحًا تسكن القلب والعقل معًا.

جاء محمد ﷺ بالشريعة التي تُحقق التوازن بين الحقوق والواجبات، وتضمن العدل والسلام بين الناس، فأصبحت الدماء والأعراض والأموال في شريعته مصونة، لا تُمس إلا بالحق.
قال ﷺ: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه».

هذه الكلمات ليست شعارات، بل قوانين أخلاقية تأسست عليها حضارات، وقُيمت بها مجتمعات فاضلة، عمادها الإنصاف والرحمة، وأساسها احترام كرامة الإنسان.

لعل أبلغ ما يختصر عظمة الرسالة المحمدية هو قوله ﷺ:
«إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق».
فلم تكن عباداته ﷺ طقوسًا جوفاء، بل كانت تصب كلها في تنقية النفس وتهذيب الروح.
الصلاة كانت صلة حيّة بالله، والزكاة تطهيرًا للمال والنفس، والصوم مدرسة للإرادة، والحج تجردًا من التفاخر والأنانية، وكل ذلك يُنتج إنسانًا متزنًا، مسؤولًا، نافعًا لنفسه ولمجتمعه.

لقد كانت حياة النبي ﷺ تطبيقًا عمليًا لتلك المبادئ؛ في عبادته، في معاملاته، في خلقه.
قام الليل حتى تفطرت قدماه، وقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟»
وكان في الوقت ذاته رفيقًا بالصغير، موقرًا للكبير، لينًا في المعاملة، حتى أحبه من حوله بلا حاجة إلى إكراه أو سلطة.

إن الإنسان حين يتأمل شمائله ﷺ، يجد نفسه أمام شخصية لا تتكرر: حكيم في قوله، عادل في حكمه، متواضع في مجده، رحيم في سلطانه. وقد صدق من قال:

“فتنزه في ذاته ومعانيه، واملأ السمع من محاسنه، فإنها تهدي الحائر، وتبعث الروح من سباتها.”

كلما وقف المسلمون مع سيرة نبيهم ﷺ، فإنهم لا يُمارسون طقسًا عاطفيًا، بل يجددون عهد الالتزام بمنهجه، ويحاسبون أنفسهم على مدى الاتباع لسنته، في القول والعمل والسلوك.

فالمولد النبوي ليس فقط مناسبة للفرح، بل هو محطة للمراجعة، ومنبر للتجديد، ومناسبة لإشعال نور النبوة في القلوب، حتى لا تنطفئ مشاعل الهداية في زمن العتمة.

ليس هناك رسالة أبهى، ولا سيرة أزكى، ولا دعوة أطهر من تلك التي جاء بها محمد بن عبد الله ﷺ. وكلما اقتربنا من هديه، اقتربنا من أنفسنا، ومن إنسانيتنا، ومن ربنا.

رحم الله من قال:
“من لم يعرف محمدًا ﷺ، عاش غريبًا عن الحياة، وإن ظن أنه قد عرف كل شيء.”

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...