الكُوتش يصنع لنا مشاكل عوض يجد لنا حلولًا..

إيطاليا تلغراف

 

 

 

* الدكتور عبد الله شنفار

 

 

حالة طلاق غريبة من نوعها بين زوج وزوجته بسبب دروس ما يسمى بالكوتشين حول موضوع: «الطاقة السلبية والطاقة الإيجابية..!» بطلها «كوتش» نصح أحدهما بالابتعاد عن الأشخاص الذين عندهم طاقة سلبية..! فأصبح يسود داخل الأسرة؛ الكثير من التنافر والتباعد وبين الأزواج بسبب هذه الأفكار المسمومة الدخيلة على المجتمع المغربي؛ والتي ساهمت كثيرًا في تنامي خطاب الحقد والكراهية بين أفراد العائلة الواحدة؛
وأصبحت تخلق مشاكل عديدة وخطيرة جدًا.

فبسبب اتهام الطرف الآخر أن عنده طاقة سلبية؛ وادعاء الطرف الآخر أنه هو من عنده الطاقة الإيجابية؛ أدى ذلك إلى وقوع خصومة كبيرة جدًا؛ نتج عنها حالة طلاق بين زوج وزوجته؛ بطلها «كوتش» نصح أحدهما بالابتعاد عن الأشخاص الذين عندهم طاقة سلبية..!
فيا ترى ما الفرق بين أعمال ما يسمى ب: (الرقية الشرعية)؛ وأفعال الكوتش هذا..!؟ أحيانًا نحتاج إلى عبقرية في الجهل؛ لكي نفهم ما يجري في عالم يمر متخفيًا في قاعات كبرى فارهة مغلقة في وجه العموم!

من أشد الأمور غرابة؛ جلست يومًا ما مع واحد _مول كوتشي-؛ يطلقون عليه تسمية: (خبير في مجال الجماعات الترابية والسياسات الحضرية والتنمية المجالية؛ فاكتشفت أن هذا “مول الكوتشي” اللي يفهم في كل شيء؛ يتولى إلقاء محاضرات بمدارس ومعاهد (عُليا)؛ ويتقاضى أموالًا ضخمة جدًا! لكن المسكين؛ الذي يشبه عمله هذا إلى حد كبير؛ أفعال من يحترفون ما يسمى: (الرقية الشرعية)؛ كتجارة جديدة بإسم الدِّين؛ والكوتشي؛ وبتَمْغَرْبِيتْ يسمى الحَنْطُورْ؛ وهي عربة يجرها الحصان؛ مخصصة لنقل الركاب. ولكن لقيادتها يتطلب الأمر مهارة كبيرة؛ ولا يصلح معها غباء الرُّقية الشرعية. الكوتش هذا؛ لا يميز حتى بين المسؤول المنتخب من المسؤول المُعَيَّن؛ بل لا يميز بين عامل المقاطعة ورئيس المقاطعة! بين عامل العمالة ورئيس مجلس العمالة؛ بين عامل الإقليم ورئيس مجلس الإقليم. بين والي الجهة ورئيس الجهة. بل لا يميز حتى في الجماعات الترابية؛ بين مجلس الجهة ومجلس العمالة ومجلس الإقليم ومجلس الجماعة. ويخلط بين مجلس جماعة المدينة؛ في إطار وحدة المدينة؛ ومجالس المقاطعات التابعة له. (الدار البيضاء؛ سلا؛ فاس؛ الرباط؛ طنجة؛ مراكش.) ويردد مصطلح عُمْدة المدينة؛ لست أدري من أين جاء به!؟
والخطير إنه لا يميز في الاختصاصات والصلاحيات؛ المنوطة بالجماعات الترابية؛ ولا يعرف لا أين تبدأ؛ ولا أين تنتهي؛ ولا طبيعتها ولا نوعيتها ولا حدودها؛ ولا الأصلية فيها من المنقولة إليها من الدولة! ومع ذلك يدعي أنه خبير في المجال..!
الأمر المربك والمزعج؛ حينما يدعي أحدهم أنه خبير؛ ويدرحها ويقرنها بكلمة (استراتيجي)؛ في شؤون الصحراء الغربية المغربية؛ مع أنه لم تطأ قدميه يومًا لا مدينة العيون، ولا مدينة الداخلة، ولا إقليم بوجدور، ولا إقليم السمارة، ولا حتى مدينة كلميم باب الصحراء..!!
أيوا بَازْ..! لقد صدق شاعر الأندلس حينما قال في المُحاكاة:
أَلْقـابُ مَـمْـلَكَـةٍ فـي غَـيْـرِ مَـوْضِعِها؛
كالْهِر يَحاكي انْتِفاخاً صَوْلَةَ الأَسَدِ..
فهي تجارة مربحة؛ كلها استغلال وانتهازية ووصولية، وجشع ونصب واحتيال؛ بعناوين مختلفة؛ ومن ضمنها: كوتش؛ وكوتش روحاني؛ وكوتش راقي؛ متخصص في تقوية وتنمية الشخصية، وتطوير الذات، والذكاء العاطفي، والذكاء الجمالي؛ علم الطاقة بنوعيها: الإيجابية والسلبية..!
وكلها مجرد تجميع لتوصيات ونصائح، وأفكار عامة، بعضها بديهي ومجرد تحصيل حاصل؛ وليست من المفاهيم العلمية في شيء؛ ومن المستحيل تطبيقها وتعميمها على الظاهرة البشرية؛ التي تتميز باختلاف خصوصياتها.
وقد تتحول أحيانًا إلى مجرد تهريج؛ وقد يخالها المرء دروسًا دينية في الوعظ والإرشاد.
وهي مجرد تجميع لعبارات وكلمات منمقة؛ للتلاعب بتفكير وعقول الناس؛ واستنزافًا لمشاعرهم؛ وهم في حالة ضعف وهوان؛ جراء مشاكل ومتاعب الحياة اليومية.
* والخلاصة:
هذه العبارات وقس ذلك استعمال مصطلح “استراتيجي” تبقى شبيهة بالكريمة الموضوعة فوق الكيكة؛ عندما تزيل القشدة من فوق؛ تجدها لذيذة؛ في حين تجد الكعكة من تحت؛ بدون طعم..!!
مع الأسف! صور النصب والاحتيال والغباء؛ لا حدود لها؛ وأصبحت تخلق لنا مشكل عوض أن تجد لنا حلولًا..!
* المفكر والكاتب المغربي

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...