المغرب والجزائر: حين تسقط الأقنعة الدبلوماسيّة في صراع النفوذ الجغرافي والتاريخي..

إيطاليا تلغراف

 

 

 

* الدُّكتُور عَبْدُ اللَّهِ شَنْفَار

 

 

 

حتى لا نضيع فرصة ثانيّة كما وقع على عهد جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله؛ حين تعامل بحسن نيّة ووعي أخلاقي راقي جداً، لم يستوعبه نظام عسكر الجزائر؛
وحتى لا نبقى نعيش على وهم “خاوا خاوتي”؛
فحينما تسقط كل الأقنعة الدبلوماسيّة أمام البحث عن منفذ نحو المحيط الأطلسي من الجنوب، والذي هو جوهر الصراع الحقيقي الذي تخفيه الجزائر خلف الشعارات الحقوقيّة والأمميّة؛ تبدو الجزائر، دولة حبيسة من الناحية الاقتصاديّة والإستراتيجيّة، لا تملك منفذاً مباشراً على المحيط الأطلسي، بينما ترى أن المغرب يتحكم في موقع جغرافي استراتيجي نادر: بوابة على أوروبا من الشمال، وعمق إفريقي من الجنوب، وساحل أطلسي شاسع من الغرب.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، حين أُغلق أمام الجزائر مشروع: “الاتحاد المغاربي” في شكله الفيدرالي، تحول طموحها التوسعي نحو خلق كيان انفصالي يكون تابعًا لها وظيفيًا، ويمنحها امتدادًا أطلسيًا على حساب وحدة المغرب الترابيّة.
الريبة من المقترح المغربي حول حكم ذاتي، ليست دولية عامة، بل هي ريبة مصنوعة ومُمَنهجة من طرف دولة الجوار، الجزائر، التي لا تخفي عداءها وكراهيتها وحقدها التاريخي للمغرب، بل تصرّ على إطالة أمد النزاع، وتقديم نفسها كـ”فاعل خارجي محايد”، بينما في الحقيقة، هي الراعي السياسي والعسكري والمالي والدبلوماسي للانفصال.
الجزائر ليست فقط طرفاً مباشراً، بل هي العقل المدبّر لولادة الكيان الانفصالي، والداعم الأول له في كل المحافل الدولية، وهي من هندس مفهوم “تقرير المصير” خارج سياقه الحقيقي، لا دفاعاً عن “الشعوب”، بل لضرب وحدة المغرب الجغرافيّة والسياسيّة، وتحجيم دوره في المنطقة.
وربما ما يخيف الجزائر ليس “الصحراء الغربيّة” في حد ذاتها، بل المغرب الموحد القوي الذي يستعيد مكانته التاريخيّة في إفريقيا والعالم. فكلما تقدم المغرب في ملفاته الإستراتيجيّة (الدبلوماسيّة، الاقتصاديّة، العسكريّة، الطاقيّه…) كلما زادت حدة ردّات الفعل العدائيّة من طرف الجارة الشرقيّة.
وفي هذا السياق، فالمقترح المغربي، رغم ما فيه من تنازل يحز في نفوس المغاربة بشكل عميق، يكشف نبل الخيار المغربي الذي فضل الشرعيّة والشرعيّة فقط، مقابل منطق الوصاية والتصعيد واللاشرعية الذي تتبناه الجزائر.
فمقترح الحكم الذاتي – هو في حد ذاته تنازل كبير في سبيل تحقيق السلم والاستقرار الإقليمي. لكن رغم مرونته، لا يزال يُقابل بريبة دولة الجزائر أو بمواقف باهتة تساوي بين الضحية والمفتعل.
فأن تطلب من دولة ذات سيادة، أعادت أرضها التي انتُزعت منها بقوة الاستعمار، أن تدخل في مفاوضات على صيغة “الحكم الذاتي” أصلاً، هو نوع من الإجحاف، أو على الأقل هو ثمن تدفعه من أجل تجنب الاحتراب، وتغليب منطق العقل.
والسؤال الصعب اليوم: هل يجب على المغرب أن يظل متمسكاً بعرض الحكم الذاتي كخيار استراتيجي، رغم هذا الشعور بالغبن؟ أم أن لحظة الحسم السيادي قد حانت، خاصة مع ما تحقق من دعم دولي متزايد وواقع ميداني محسوم؟
* والخلاصة:
الوعي التاريخي والسياسي العميق، يحيل إلى أن القضية في جوهرها، هي قضية مغربية عادلة 100٪، (rooted in) التاريخ والجغرافيا والسيادة الوطنيّة. المغرب لم يُخلق في 1975، بل هو كيان حضاري عريق يمتد لقرون وحدوده لم تكن يوماً اختياراً استعمارياً، بل ثمرة تطور تاريخي عميق وصراعات وجود وهوية.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...