مجلس الأمن يتحرك: القلق الدولي يتصاعد بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر

إيطاليا تلغراف

 

 

 

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

 

 

في خطوة تُعدّ سابقة خطيرة وغير مسبوقة في تاريخ الصراعات الإقليمية، وجّهت إسرائيل ضربة مباشرة نحو العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفة قيادات من حركة حماس، في خرق واضح وصارخ لسيادة دولة ذات دور محوري في الوساطات الإقليمية والدولية. هذا التطور الخطير لم يمر بصمت على الساحة الدولية، حيث بدأت الأصوات تتعالى داخل أروقة مجلس الأمن، في محاولة لصياغة موقف موحد يُدين الاعتداء ويضع حداً لتداعياته المحتملة.

تُعدّ قطر لاعباً أساسياً في جهود الوساطة المتعلقة بالعديد من ملفات الشرق الأوسط، وعلى رأسها الوضع في غزة. وقد لعبت الدوحة دوراً دبلوماسياً فاعلاً خلال السنوات الماضية، مكّـنها من نيل ثقة أطراف متناقضة، الأمر الذي جعلها جسراً لا غنى عنه في مسارات التهدئة والتفاوض.

لكن، وبدلاً من حماية هذا الدور الإيجابي وتقديره، اختارت إسرائيل التصعيد، مستهدفة اجتماعاً يضم قيادات من حركة حماس في قطر. وهي خطوة لاقت تنديداً أممياً واسعاً، واعتُبرت بمثابة “انتهاك سافر للقانون الدولي ولقواعد العمل الدبلوماسي”.

في رد فعل مباشر، سارعت فرنسا وبريطانيا إلى توزيع مشروع بيان صحفي داخل مجلس الأمن، يعكس القلق البالغ من الهجوم على قطر. وجاء في مسودة البيان أن “ما جرى يمثل تهديداً خطيراً للأمن والاستقرار الإقليمي”، داعياً إلى “وقف التصعيد فوراً، والتأكيد على أهمية الدور القطري في الوساطات الجارية”.

المثير في هذا السياق، أن البيان لم يكتفِ بالتعبير عن القلق، بل أكد تضامن المجلس مع قطر، وجدد التأكيد على أهمية إطلاق سراح الأسرى وإنهاء الحرب في غزة، كأولويات إنسانية لا تحتمل المزيد من المراوغات.

مجلس رؤساء الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدر بدوره بياناً قوياً، وصف فيه الهجوم الإسرائيلي بـ”الانتهاك الواضح لسيادة دولة قطر”. وأشار البيان إلى أن “العملية العسكرية الإسرائيلية تشكّل خرقاً لمبادئ عدم التدخل، وتقوض المسار التفاوضي نحو السلام”.

هذا الموقف الأممي أُتبِع بتصريحات حازمة من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي شدّد على أن “الدوحة لعبت دوراً إيجابياً في تحقيق التهدئة”، وأن “الهجوم لا يُعد فقط خطأً استراتيجياً، بل يشكل سابقة خطيرة ضد الدول الوسيطة”.

الهجوم على قطر قد يتحول إلى نقطة تحول خطيرة في مسار التعامل الدولي مع إسرائيل. فالهجوم ليس فقط تعدياً على دولة ذات سيادة، بل استهداف لمبدأ الوساطة ذاته، ما يُفقد إسرائيل ما تبقى من شرعية سياسية في عيون المجتمع الدولي، خصوصاً إذا استمرت في تقويض أي محاولة لوقف إطلاق النار أو معالجة الملف الإنساني في غزة.

كما أن هذا التصرف يُنذر بتوسيع رقعة الصراع، ويزيد من احتمالية الانزلاق نحو فوضى إقليمية، لا يستفيد منها سوى خصوم السلام.

رغم جسامة الحدث، فإن قطر خرجت من هذه الأزمة بموقف أقوى. فقد حظيت بدعم دولي واسع، وأكدت مرة أخرى مكانتها كفاعل دبلوماسي يُحسب له الحساب. وقد تُشكل هذه اللحظة فرصة لدولة قطر لإعادة توجيه بوصلة الوساطة نحو صيغة أكثر حزماً ووضوحاً، وإلزامية لجميع الأطراف.

الهجوم على قطر لا يمكن التعامل معه كحادث منفصل أو تكتيك عسكري عابر. إنه اختبار حقيقي لإرادة المجتمع الدولي في الدفاع عن القوانين التي تحكم العلاقات بين الدول. فإن لم تكن سيادة الدول الوسيطة محمية، فكيف يمكن التفاوض أو صناعة السلام؟

إن هذا الحدث يضع المجتمع الدولي، ومجلس الأمن تحديداً، أمام مسؤولية تاريخية: إما تأكيد قواعد النظام الدولي، أو التسليم بمنطق الفوضى.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...