الجغرافية بدون عقول؛ أرض قابلة للاستعمار..

إيطاليا تلغراف

 

 

 

*الدكتور محمد الخمسي

 

 

 

لا يشك أحد أن الحيز الجغرافي مهم جدًا. فهو فضاء الامتداد، والوعاء، والنمو الديمغرافي، وربما مصدر الثروات الأساسية، والأمن الغذائي.

غير أن هناك قوة للدول؛ أصبحت مبنية على مجموعة من الأسس. فهي ليس في الحيز الجغرافي فحسب؛ وإلا كانت، وستكون مهددة بالاستعمار. ولكن العقول الموجودة فوق هذا الحيز، هي التي أصبحت تقاس بها الدول. ونلخص هنا بتركيز شديد بعضها كما يلي:

1. القدرة على بناء جهاز أمني داخلي وخارجي؛ بحيث يسمح للدولة بتوظيف ما توفر لديها من معلومات على أفضل طريقة ممكنة. سواء في الحماية من العدو، أو في بناء هندسة دبلوماسية ذكية، تستفيد من كل الفرص المتاحة، وتحافظ على التوازنات المطلوبة، ولذا بعض الدول بقيت شبه محايدة من صراع روسيا // أوكرانيا؛ لأن الاصطفاف الأعمى فيه ضرر بجملة من المصالح الحيوية، ولأن العالم أعقد من أن يقرأ بمنظور الشر والخير فقط، ولكن هناك منطقة رمادية لا يمكن اتخاذ القرار فيها إلا يتوفر معلومات مركبة متكاملة.

2. اختراق المؤسسات التي تصنع القرارات الكبرى في العالم، وخاصة المالية والاقتصادية، وقد يكون هذا الاختراق فقط ببعض الكفاءات العالية، التي تمد بالمعلومات الأساسية، وأحيانًا بالاستشارة المهمة، وبتوقع السيناريوهات الممكنة، ولذا نجد كثير من الدول تساعد في تنصيب شخصيات ما بهذه المواقع، لكثير من القرارات الدولية تطبخ هناك داخل أروقة مغلقة، حتى إذا ما خرجت للعلن أصبحت الدول تحت تأثيرها فقط.

3. التوفر على جامعات ومراكز بحث و عقول، تساهم في تطوير إمكانات الدولة، وترصد التحديات المستقبلية لتوفير إجابات علمية عنها، وكلما كانت هذه الجامعات متعددة الإمكانات والموارد؛ كلما كان وقعها أكبر وقرارها أكثر نفعًا.

4. بناء شبكة علاقات ومصالح مرتبطة ومترابطة مع الدولة المستفيدة. وهذه الشبكة هي دراع القوة الناعمة، التي تصبح قوة صلبة في الظروف الصعبة والاستثنائية.
5. معرفة مفاصل الضعف لدى الجوار والمحيط، وطرق توظيفها كعناصر قوة، وخاصة ما يتعلق بالدراسات الاجتماعية والثقافية لدى الشعوب، وعلاقتها بمؤسساتها؛ بمعنى معرفة درجة التماسك الداخلي أو الهشاشة للنظام السياسي.
6. وجود إستراتيجية مبنية على دمج كل العناصر السابقة، مع الاقتناع بالتفاوض على الممكن عند كل فرصة.

يمكن لكل واحد أن يقوم بتمرين إسقاط هذه الأسس على كثير من الصراعات في العالم، ويفهم لماذا تنهزم الكثرة أمام القلة، ولماذا لا تفهم كثير من الأنظمة طبيعة الصراع مع الدول والمحيط. فوجود جغرافية شاسعة؛ لا يعني إمكانية قيام أو وجود دولة قوية؛ والسودان نموذج الجغرافية الفاشلة؛ بسبب غياب قيادة سياسية تعتمد على غير الجغرافية. ولا شك أن نفس المعضلة تعيشها الجارة الشرقية؛ فجغرافية البلد وموارده أكبر من عقله السياسي، ليفهم أن قوة الدول ليست مركزة في الحيز الجغرافي فقط.

* أستاذ الرياضيات؛ المفكر الاستراتيجي والراصد الاجتماعي والمحلل السياسي والاقتصادي المغربي.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...